السموم toxins أو المواد الضارة للجسم مصطلح أصبح يشيع مؤخراً في علاقته بالأمراض المزمنة حيث أن طرقاً كثيرة من طرق الديتوكس detox والتي تعني حرفيا إزالة السموم أصبحت تنتشر في الآونة الأخيرة بين مختلف مدارس الطب الشمولي كأهم طريق لعلاج هذه الأمراض المزمنة . لذا فإنه قد حان الوقت للتعرف على علم السمية الإنسانية أو الهُومُوتُوكْسِكُولُوجِي Homotoxicology .
قصة علم السمية الإنسانية
ظهر علم السمية الإنسانية Homotoxicology في الخمسينيات من القرن الماضي على يد الطبيب الألماني هَانْسْ هَاينْرِيتْشْ رَكْفِيجْ Dr. Hans Heinrich Reckeweg . يتألف المصطلح من ثلاث كلمات يونانية: homo وتعني الإنسان، toxic وتعني السم ، و logy وتعني العلم أو دراسة شيء . وبذلك، يمكن تعريف علمية السمية الإنسانية homotoxicology بأنه العلم الذي يدرس تأثير السموم على الإنسان أو العلم الذي يدرس السموم الإنسانية .
ومع شدة ارتباط علم السمية الإنسانية بالديتوكس detox أي بتنقية الجسم من السموم ، فإنه علم غير منتشر في دول كثيرة . حيث أنني لما كتبت أول مقالة عنه باللغة التركية سنة 2016م وجدت أنه علم غير شائع في تركيا ، وفي هذه السنة أي 2024م (في حد علمي وما استطعت التوصل إليه) لم أجد مقالة واحدة باللغة العربية تتحدث عن هذا العلم المهم .
أهمية علم السمية الإنسانية
يشكل هذا العلم جسرًا بين علم الأمراض الخلوي (الذي يدرس الأمراض على مستوى الخلايا) وبين علم الأمراض المبني على الأخلاط (الذي يركز على الأنسجة وسوائل الجسم) ، مما يجعله رابطًا بين مختلف مدارس الطب التقليدي القديمة والطب الغربي الحديث .
القسمين الرئيسيين للسموم
وفقًا لهذا العلم، تنقسم السموم إلى نوعين رئيسيين:
1-السموم الخارجية (Exogenic Toxins): وهي المواد الضارة التي تدخل الجسم من الخارج ، مثل المواد الكيميائية الصناعية الموجودة في الهواء والماء والطعام، والبكتيريا ، والفطريات ، والفيروسات ، والطفيليات ، ومختلف الكائنات الدقيقة الضارة ومخلفاتها السامة، والمعادن الثقيلة السامة، وبقايا الأدوية الصناعية، والأجزاء غير المهضومة من الطعام الخ .
2-السموم الداخلية (Endogenic Toxins): وهي المواد الضارة التي تتشكل داخل الجسم، وهي المواد التي يولدها الجسم من داخله نتيجة للتفاعلات الفسيولوجية الطبيعية أو النقص الغذائي أو التوتر النفسي والعاطفي مثل مخلفات الخلايا ، وفرط إفراز حمض اللاكتيك، والأدرينالين، والهيستامين الخ .
السموم كسبب رئيسي للأمراض
يرى علم السمية الإنسانية homotoxicology أن السبب الرئيسي للأمراض هو تراكم السموم في الجسم. إذ يعتقد هذا العلم أن الأمراض تنشأ نتيجة سلسلة من التفاعلات التي تحدث عندما يحاول نظام الضبط الحيوي الذاتي (الطبيب الداخلي) للجسم التخلص من هذه السموم أو السيطرة على تأثيراتها البيولوجية. بذلك، تُعتبر الأمراض وسيلة دفاعية يعتمدها الجسم إما للتخلص من السموم أو للتعويض عندما يكون التخلص منها أمرًا مستحيلاً.
المراحل الستة لردة فعل الجسم على السموم وتطور الأمراض
وفقًا لعلم السمية الإنسانية، تؤثر هذه السموم علينا بشكل تدريجي ، وتظهر ردة فعل الجسم على هذه السموم من خلال مراحل متعددة وبطرق مختلفة. لذا فهمنا لهذه المراحل سيساعدنا على التعرف على الأسباب الحقيقية للأمراض وتطورها بشكل أعمق.
المرحلة الأولى: الإطراح – التخلص من المنتجات السامة
هذه المرحلة هي استجابة الجسم الأولى ضد السموم. يعمل الطبيب الداخلي الذي يقوم بالإصلاح والتوازن الذاتي أي ما يعرف بنظام الضبط الذاتي (auto-regulatory sytem) في الجسم على التخلص من السموم من خلال عمليات مثل التعرق، الدموع، السعال، المخاط ، الإسهال، وغيرها من الطرق الطبيعية.
المرحلة الثانية: الإلتهاب – التنظيف الشديد الذي ينشطه الجهاز المناعي
إذا لم تكن المرحلة الأولى كافية، ينتقل الجسم إلى المرحلة الثانية، حيث يحاول جهاز الضبط الذاتي التخلص من السموم من خلال عملية الإلتهاب. ومن الأمثلة على هذه المرحلة: التهاب الجيوب الأنفية الحاد، التهاب الشعب الهوائية الحاد، التهاب الغدة الدرقية الحادة ، التهابات المسالك البولية الحادة ، والعدوى الجرثومية الحادة .
تُعتبر مرحلتا الإطراح والالتهاب (المرحلتان 1 و2) من المراحل التي تتعامل مع السموم على مستوى الأخلاط أي مستوى السوائل في الجسم. في هاتين المرحلتين، يكون الجهاز المناعي نشطًا وقادرًا على طرد السموم بطرق متعددة، دون التأثير المباشر على الأنظمة الخلوية الداخلية الأخرى.
المرحلة الثالثة: التخزين – تخزين السموم في السائل الخارجي بين الخلايا
عندما يعجز الجسم عن التخلص من السموم بالطرق السابقة ، يلجأ نظام الضبط الذاتي إلى تخزين هذه السموم. في هذه المرحلة، يمكن أن تظهر أمراض مثل سلائل القولون ، حصى المرارة أو الكلى، تضخم العقد الليمفاوية، النقرس، السمنة، تضخم الغدة الدرقية.
المرحلة الرابعة: الإمتصاص – تسلل السموم إلى داخل الخلايا
عندما تزداد كمية السموم المخزنة خارج الخلايا، تبدأ هذه السموم بالتسرب إلى داخل الخلايا. في هذه المرحلة، تبدأ الأمراض مثل الحساسية، الربو، الشقيقة، التهاب المفاصل الروماتويدي، الفيبروميالجيا، التهابات المسالك البولية المزمنة، أمراض القلب التاجية، العدوى المزمنة، وأمراض المناعة الذاتية في الظهور.
تحدث مرحلتا التخزين والإمتصاص (المرحلتان 3 و4) في النسيج خارج الخلية ، حيث تتجمع السموم في البنية المعقدة خارج الخلايا وفي النسيج الضام. يبدأ التغير في التركيب البنيوي للنسيج الضام، ومع دخول السموم إلى الخلايا (المرحلة 4)، تتغير بيولوجيا الخلايا نفسها.
المرحلة الخامسة: التنكس – تدهور الخلايا بسبب السموم
مع زيادة تراكم السموم داخل الخلايا، تبدأ الخلايا في التضرر والتدهور. في هذه المرحلة، تظهر أمراض مثل التهاب المفاصل التنكسي، السكري، الزهايمر، توسع القصبات وغيرها.
المرحلة السادسة: فقد التمايز – التغيرات الورمية في الخلايا
في هذه المرحلة، لا يقتصر تأثير السموم على تخريب الخلايا فحسب، بل يتعدى ذلك إلى إحداث تغييرات جذرية داخل الخلية وتسبب الطفرات. هذه هي المرحلة النهائية للسمية، حيث تبدأ ظهور الأورام والسرطانات بأنواعها المختلفة .
تحدث مرحلتي التنكس وفقد التمايز (المرحلتان 5 و6) على المستوى الخلوي. في هذه المرحلتين ، تبدأ الأنظمة الخلوية في التدهور بسرعة، مما يؤدي إلى فقدان وظيفة النسيج الضام فيصبح الجسم غير قادر على التخلص من السموم .
جدول المراحل الستة
فهم علم السمية الإنسانية Homotoxicology يعني فهم الأسباب الحقيقية للأمراض وآليات تكونها . ويعني أيضا فهم المرحلة العامة للتسمم بناء على المرض . وفي هذا السياق، تم ترجمة جدول يوضح هذه المراحل الستة لأول مرة إلى العربية .
أخيرًا، ينبغي أن نعرف أن مؤسس علم السمية الإنسانية اعتمد شخصياً على أدوية الهومويوباثي كعلاج لإزالة السموم من الجسم ، ولكن هذا العلم مستخدم من قبل مدارس كثيرة من مدارس الطب الشمولي والتي يعتمد فيها الأطباء والمختصون على أدوات علاجية أخرى . وأنا أبين معارضتي لعلاجات الهومويوباثي لأسباب ليس هذا مقام ذكرها . ولكن لتعلموا أن هناك العديد من الطرق الطبيعية والآمنة والرفيقة للجسم التي تساعد على التخلص من السموم وتنقي الجسم منها بشكل فعال وقائم على العلم وبدون إنهاك نظام الضبط الحيوي الذاتي . ولا ننسى أن الطب ليس علم فقط بل هو فن قائم على العلم .
مع تمنياتي بالشفاء النافع ،
جَمِيل عَوَّاد السُّلَمِي
مؤسس الطب المدمج الرفيق
المصادر:
الجمعية الدولية لعلم السموم الإنسانية – بَادِنْ، ألمانيا