تُعتبر الحجامة (أو العلاج بكؤوس الهواء الرطبة الطبية المخرجة لمسببات الأمراض والألم والتحسس من السائل البيني للخلايا ومن الدورة الوعائية اللمفية والدموية الدقيقة وذلك بشكل مباشر) واحدة من أقدم العلاجات الطبيعية المعروفة للبشرية حيث يعود تاريخها المسجل إلى 5000 سنة تقريبا .
وخلال العقد الماضي، ومع علم الحجامة الحديثة الذي تأسس مؤخرًا وتصدره العديد من خبراء الحجامة من جميع أنحاء العالم ، والذي قد تم تطويره مؤخرا تحت مسمى علم الحجامة المدمج الرفيق Bio-Friendly Integrative Hijamatology فإننا قد تمكنا بفضل الله عز وجل من فهم العديد من الآليات الكامنة وراء هذا الفن العريق ، ومن ضمنها إزالة المعادن الثقيلة السامة بشكل عجيب .
إن إزالة المعادن الثقيلة موضوع شائع في الطب الوظيفي الأمريكي ، وطب الضبط الحيوي الألماني ، والعديد من مدارس الطب التكميلي والمدمج في العالم إذ هي من أهم مسببات الأمراض المزمنة والمستعصية , وللأسف فإن الطب الغربي الشائع لا يلقي بالا لسمية المعادن الثقيلة السامة إلا في الحالات الحادة . أما من ناحية الحلول فإن بعض مزيلات المعادن الثقيلة السامة الصناعية مثل EDTA و DMSA قد تسبب آثارًا جانبية خطيرة وغير مرغوب فيها على أعضاء الجسم الهامة وخصوصا الدماغ والكليتين . وكذلك فإن المزيلات الطبيعية للمعادن الثقيلة مثل Chlorella و Spirulina والكزبرة وغيرها إذا استخدمت بشكل خاطئ أو مع أشخاص يعانون من انسداد في قنوات تسليك السموم في الجسم فإنه قد يؤدي بهم إلى انطلاق المعادن الثقيلة السامة في الدورة الدموية الرئيسية بحيث تتوجه إلى أنسجة أخرى وقد تسبب أضرارا وأمراضا لم تكن موجودة من قبل . لذا فإن علاج سمية المعادن الثقيلة من أعوص وأدق المسائل الطبية في العصر الحديث (1) .
لكن لحسن الحظ ، هناك اكتشاف جديد أن الحجامة الطبية تعمل على إزالة المعادن الثقيلة السامة من الجسم بكميات معتبرة وبطريقة آمنة للمريض عن طريق إخراجها بشكل مباشر من مواضع نسيجية معينة عبر الجلد. وتم إثبات هذا الإكتشاف في أكثر من دراسة علمية تجريبية وإليكم تفصيل ذلك :
البحث الأول : بحث أنقرة / تركيا 2016م
وهو بحث فريق البروفيسور التركي شَانُول ضَانَة Prof. Dr. Şenol Dane في تركيا ، والذي نشر عام 2016م بعنوان : هل من الممكن إزالة المعادن الثقيلة من الجسم عن طريق العلاج بكؤوس الهواء الرطبة (الحجامة) ؟ (2)
ففي هذا البحث الذي هو الأول من نوعه والذي أجرته الدكتورة التركية سمية غوك Dr. Sümeyye Gök من جامعة تورغوت أوزال Turgut Özal University في مدينة أنقرة التركية وآخرون برئاسة البروفيسور التركي شَانُول ضَانَة Prof. Dr. Şenol Dane سعى فيه الفريق البحثي لمقارنة تركيزات المعادن الثقيلة بين عينات الدم المأخوذة من الحجامة والدم الوريدي. شملت الدراسة 24 متطوعًا من الأصحاء ، حيث أنه بعد سحب عينات الدم الوريدي، تم إجراء الحجامة وأخذ عينات الدم الناتجة عنها. ثم تم تحليل هذه العينات لقياس مستويات المعادن الثقيلة باستخدام تقنية متقدمة اسمها مطيافية الكتلة باستخدام البلازما المقترنة بالحث (ICP-MS). وقد تم فحص 4 معادن ثقيلة وهي الزئبق Hg ، والألمنيوم Al ، والرصاص Pb ، والفضة Ag . وكان هذا البحث هو الأول من نوعه وكانت النتائج صاعقة للمجتمع الطبي حيث كانت كما يلي:
النتائج : في هذه الدراسة، كانت مستويات جميع المعادن الثقيلة المختارة أعلى بشكل ملحوظ في عينات الدم الناتجة عن العلاج بكؤوس الهواء الرطبة مقارنةً بعينات الدم الوريدي (الجدول 2 والشكل 1).
انقر فوق الصورة لتكبيرها
انقر فوق الصورة لتكبيرها
البحث الثاني : بحث أبوجا / نيجيريا 2018م
وهو بحث فريق البروفيسور التركي شَانُول ضَانَة Prof. Dr. Şenol Dane في نيجيريا ، والذي نشر عام 2018م بعنوان : تأثيرات العلاج بكؤوس الهواء الرطبة على مستويات بعض المعادن الثقيلة في الدم: دراسة أولية (3)
في البحث الأول أي بحث أنقرة / تركيا 2016م كنا قد بينا أن فريق البروفيسور التركي شَانُول ضَانَة قد أثبتوا ولأول مرة في تاريخ الأبحاث العلمية التجريبية الحديثة أن الحجامة تزيل بعض المعادن الثقيلة السامة من الجسم . فمن ناحية منطقية أن ذلك سيؤدي إلى انحفاض مستويات تلك المعادن الثقيلة في الدورة الدموية ، ولكنه أحب أن يعمل دراسة علمية تجريبية لإثبات هذا الأمر بعد أن تعين في جامعة النيل Nile University في نيجريا . فقد قامت الدكتورة النيجيرية نفيسة خميس عمر Dr. Nafisa Khamis Umar من جامعة النيل في أبوجا / نيجيريا وآخرون برئاسة البروفيسور التركي شَانُول ضَانَة بإجراء هذا البحث العجيب الذي يسكت الإعتراضات .
شارك في هذه الدراسة 13 رجلًا من الأصحاء ، وتم جمع عينات من الدم الوريدي بعد مرور خمس دقائق من الحجامة ، وأخرى بعد ثلاثين يومًا من الحجامة ليتم عمل مقارنة بينهما . تم اختيار خمس نقاط لإجراء الحجامة وعرض صورتها وبين أنها نفس النقاط المستخدمة في البحث الأول الذي نشرت عام 2016م. ولكن في هذه الدراسة تم قياس مستويات الألومنيوم (Al) والزنك (Zn) والكادميوم (Cd) فقط ، وكانت النتائج صاعقة للمجتمع الطبي حيث كانت كما يلي:
النتائج: كانت مستويات المعادن الثقيلة (الألومنيوم، والزنك، والكادميوم) بعد العلاج بكؤوس الهواء الرطبة أقل بشكل ملحوظ مقارنةً بالمستويات التي تم قياسها قبل العلاج (الشكل 2 أ ، ب ، وج)
ولقد أدرج البروفيسور التركي شَانُول ضَانَة صورة لمواضع الحجامة التي استخدمها في هذا البحث والبحث الذي أجراه سنة 2016م وهما نفس المواضع كما في الصورة التالية :
البحث الثالث : بحث قَارَابُوكْ / تركيا 2020م
وهو بحث الدكتور التركي سليمان آرْسُويْ Dr. Süleyman Ersoy من جامعة قَارَابُوكْ Karabuk University في مدينة قَارَابُوكْ التركية ، مع مشاركة الدكتور التركي علي رمضان بَانْلِي Dr. Ali Ramazan Benli من جامعة العلوم الصحية University of Health Sciences في مدينة إسطنبول التركية ، والبحث نشر عام 2020م بعنوان : تأثير العلاج بكؤوس الهواء الرطبة على مستويات المعادن الثقيلة: تجربة سريرية ذات ذراع واحدة (4)
هذه الدراسة هي أكبر دراسة من حيث كمية المشاركين (44 مشاركا) ، وعدد جلسات الحجامة المجراة (3 جلسات بين كل جلسة 30 يوما) ، وكثرة المعادن الثقيلة المفحوصة (13 معدنا ثقيلا) ، وفوق ذلك تم دراسة مستويات المعادن الثقيلة في الدم الوريدي ودم الحجامة ، وكذلك تم دراسة مستويات المعادن الثقيلة في الدم الوريدي قبل وبعد إجراء 3 جلسات حجامة متتالية بين كل واحدة منها 30 يوما ، فهي أهم دراسة أجريت حتى الآن حول آلية عمل الحجامة في إزالة المعادن الثقيلة من الجسم وتأثيرها في تحسين مستويات المعادن الثقيلة في الدورة الدموية ككل ، واستخدموا نفس مواضع الحجامة التي استخدمت في البحث الأول والثاني لكي يستمروا على نسق واحد .
طريقة البحث : تم إجراء هذه التجربة السريرية ذات الذراع الواحدة في مستشفى قارابوك الجامعي للتدريب والبحوث من يناير إلى أغسطس 2018م. تلقى جميع المرضى ثلاث جلسات من الحجامة مرة كل شهر. تم سحب عينات من الدم الوريدي قبل أول جلسة من الحجامة (الوريدي 1) وبعد الجلسة الثالثة (الوريدي 2). كما تم الحصول على عينات من الدم الناتج عن الحجامة خلال الجلسة الأولى من العلاج. تم تقييم مستويات المعادن الثقيلة باستخدام جهاز مطياف الكتلة البلازمية المقرونة بالحث (ICP-MS). تم فحص ثلاثة عشر معدنًا: الألومنيوم (Al)، الأنتيمون (Sb)، الزرنيخ (As)، الكادميوم (Cd)، الكروم (Cr)، النحاس (Cu)، الحديد (Fe)، الرصاص (Pb)، المنغنيز (Mn)، الزئبق (Hg)، الموليبدينوم (Mo)، النيكل (Ni)، والزنك (Zn) .
النتائج : من بين 13 معدنًا ثقيلًا تم تقييمها، وُجد أن 10 منها كانت أقل في عينات (الوريدي2) مقارنة بعينات (الوريدي1) . كانت مستويات الألومنيوم (Al)، والكادميوم (Cd)، والكروم (Cr)، والنحاس (Cu)، والمنغنيز (Mn)، والموليبدينوم (Mo)، والنيكل (Ni)، والأنتيمون (Sb) أقل بشكل ملحوظ في عينات (الوريدي2) (P < 0.001 لجميع هذه المعادن)، وكذلك الزئبق (Hg) بنسبة (P = 0.024) والرصاص (Pb) بنسبة (P = 0.012). لم تُلاحظ تغييرات ذات دلالة إحصائية في مستويات الحديد (Fe)، والزنك (Zn)، والزرنيخ (As)، حيث كانت قيم الدلالة (P = 0.575، P = 0.090، وP = 0.195 على التوالي) (الجدول 2).
بالإضافة إلى ذلك، تم مقارنة مستويات المعادن الثقيلة في عينات الدم الأولى للحجامة مع القيم الوريدية الأولية (الوريدي 1) للمشاركين. من بين 13 معدنًا ثقيلًا، وُجد أن 9 منها كانت أعلى بشكل ملحوظ في دم الحجامة، وتشمل: المنغنيز (Mn)، والزنك (Zn)، والزرنيخ (As)، والأنتيمون (Sb)، والزئبق (Hg) (P < 0.001 لجميع هذه المعادن)، والألومنيوم (Al) بنسبة (P = 0.003)، والكروم (Cr) بنسبة (P = 0.004)، والنحاس (Cu) بنسبة (P = 0.022)، والموليبدينوم (Mo) بنسبة (P = 0.014). أما بالنسبة للمعادن التي لم تكن مستوياتها مختلفة بشكل ملحوظ في دم الحجامة مقارنة بالدم الوريدي الأول، فهي الكادميوم (Cd)، والرصاص (Pb)، ووالنيكل (Ni)، حيث كانت قيم الدلالة (P = 0.160، P = 0.079، وP = 0.713 على التوالي). أما بالنسبة للحديد (Fe)، فقد وُجد أن مستواه كان أقل بشكل ملحوظ في دم الحجامة (P < 0.001) (الجدول 3).
وهذه هي تفاصيل هذا البحث الصادم في جدولين مفصلين :
وهذه الأبحاث حسب علمي تترجم لأول مرة للغة العربية فاغتنم فهمها وعها جيدا . وسيكون لنا حديث آخر بإذن الله تعالى حول مناقشة وتنقيح هذه الأبحاث التجريبية في مقالات تالية وسنبدي فيها آرائنا واقتراحاتنا لمن يريدون إجراء أبحاث تجريبية مشابهة ، لأننا نجد للأسف أن معظم الأبحاث التجريبية منصبة على تأثير الحجامة على أمراض معينة وليس على فهم آليات عملها ، وعمل أبحاث تجريبية حول آلية عمل الحجامة إن طبقت بمنهجية دقيقة فإنها تستغرق وقتا أقل وتعطي ثمارا أكثر وأوقع بإذن الله عز وجل .
كما وأنني أرحب بتعليقاتكم واستفساراتكم وأسئلتكم حول الأبحاث السابقة مشكورين حتى أضمنها في مقالات تالية بإذن الله عز وجل .
ولنتذكر دائما الفرق بين الحجامة الطبية وبين حجامة الجزارين !
الحجامة الطبية هي العلاج بكؤوس الهواء الرطبة الطبية المخرجة لمسببات الأمراض والألم والتحسس من السائل البيني للخلايا ومن الدورة الوعائية اللمفية والدموية الدقيقة ، وذلك بشكل مباشر ، على عكس حجامة الجزارين والتي تجعل الإنسان يخسر الدماء الصالحة بكثرة من الأوعية الدموية الكبرى ، فتنبهوا فإن الدم الصالح من أغلى ما يملكه الإنسان فلا تتهاونوا في خسارته !
الحجامة الطبية = تشريط سطحي + شفط معتدل للجلد = إخراج لكثير من مسببات الأمراض والألم والتحسس مع كمية يسيرة من الدم الصالح الذي يعوضه الجسم + عدم بقاء آثار التشريط = منفعة + صلاح
حجامة الجزارين = تشريط عميق + شفط قاسي للجلد = خسارة لدم صالح كثير وإخراج لليسير من مسببات الأمراض والألم والتحسس + بقاء آثار التشريط = مضرة + فساد
وبقاء آثار التشريط على الجلد ليس تشويه لمظهر الجلد فحسب ، بل إن التشريط العميق يسبب أنسجة ندبات جلدية ، فيسبب حقولا مشوشة للجهاز العصبي Interference Fields ، والتي هي أحد أخفى أسباب الأمراض المزمنة التي يجهلها الكثيرون . بينما الحجامة الطبية المطبقة بمهارة يجب أن لا تتسبب في ندبات جلدية . حتى أنه في معظم الأحيان لن تجد آثار التشريط الطبي السطحي حتى بعد تطبيق الحجامة مباشرة .
وبين الحجامة الطبية المثالية وحجامة الجزارين درجات شتى منها ما للصلاح أقرب ومنها ما للفساد أقرب ، فاستعينوا بالله على الوصول إلى الأمثل فإن الله إذا أراد شيئا يسر له أسبابه ، والله ولي التوفيق .
مع تمنياتي بالشفاء النافع ،
جَمِيل عَوَّاد السُّلَمِي
مؤسس الطب المدمج الرفيق
الحواشي :
(1) بفضل الله عز وجل وتوفيقه لقد تم تطوير طرق متعددة وآمنة لإزالة المعادن الثقيلة السامة من الجسم ولإزالة مصادرها من المواد السنية الضارة التي تحتوي على هذه المعادن الثقيلة السامة عبر مناهج وأدوات علاجية جديدة ومبتكرة تخصص لكل مريض حسب حالته وفق أسس الطب المدمج الرفيق وأسس طب الأسنان المدمج الرفيق .
(2) GOK et al.: Is it possible to remove heavy metals from the body by wet cupping therapy (Al-hijamah)?
(3) NK Umar et al.: The Effects of Wet Cupping Therapy on the Blood Levels of Some Heavy Metals: A Pilot Study
(4) Benli AR and Ersoy S: The Effect of Wet Cupping Therapy on Heavy Metal Levels: A Single-Arm Clinical Trial